المذيعة كريستين تشوبوك: القصة الكاملة لأول انتحار على الهواء مباشرة في التاريخ.. وأين اختفى شريط الفيديو؟
في عالم الأخبار التلفزيونية، تُبنى الشهرة والنجومية على نقل الأحداث العاجلة، لكن في عام 1974، اهتزت الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بحادثة غير مسبوقة قلبت كل مفاهيم المهنية والأخلاق. لم تكن المذيعة الأمريكية كريستين تشوبوك (Christine Chubbuck) مجرد ناقلة للخبر، بل كانت هي الخبر نفسه، في واحدة من أكثر اللحظات التلفزيونية مأساوية على الإطلاق.
ففي يوم صيفي حار، تحولت نشرة إخبارية في قناة محلية بولاية فلوريدا إلى مشهد صادم دام لثوانٍ، سجلت فيه كريستين اسمَها في التاريخ كأول شخص ينتحر على الهواء مباشرة. لكن القصة لم تنتهِ هنا، فاللغز الأكبر يدور حول الأسباب العميقة وراء هذه الخطوة المروعة، ومصير شريط الفيديو الذي شاهده الملايين ثم اختفى إلى الأبد.
🎥 لحظات الذروة: كيف وقعت حادثة الانتحار على الهواء؟
كانت كريستين تشوبوك، التي تبلغ من العمر 29 عامًا، تعمل مذيعة أخبار لبرنامج "صن رايز ساوث إيسترن" في قناة 40 (WXLT-TV) في ساراسوتا، فلوريدا. يوم الإثنين الموافق 15 يوليو 1974، جلست كريستين أمام الكاميرات في تمام الساعة 9:38 صباحًا. كان جزءها المعتاد هو تقديم فقرة إخبارية صباحية.
بدأت النشرة بخبر عن حادث إطلاق نار في مطعم محلي حدث الليلة السابقة. وفي منتصف التقرير، وعندما لم يظهر الفيلم الوثائقي المرافق للخبر بسبب "عطل فني" مزعوم، استغلت كريستين هذه اللحظة لوقف البث مؤقتاً. التفتت إلى الكاميرا بخطاب هادئ ومدروس، وقالت كلماتها الأخيرة التي خلدتها الذاكرة:
"عملاً بسياسة قناة 40 في تقديم أحدث أخبار الدماء والأحشاء، ستشاهدون الآن، وللمرة الأولى، محاولة انتحار حية."
في هدوء قاتل ومفاجئ، أخرجت كريستين مسدساً صغيراً عيار 38 من حقيبتها، ووضعته خلف أذنها اليمنى، ثم أطلقت النار. المشهد المرعب الذي حدث في بث مباشر، حيث سقط جسدها للأمام على المكتب، تلاه ارتدادها على الأرض والدماء تتناثر، جعل جميع العاملين في غرفة التحكم في حالة صدمة وشلل لم يستطيعوا معها قطع البث إلا بعد عدة ثوانٍ حرجة.
تم نقل كريستين على الفور إلى مستشفى ميموريال في ساراسوتا. لكن الإصابة كانت قاتلة. فارقت الحياة بعد 14 ساعة فقط، متأثرة بجراحها، لتتحول القصة من محاولة إلى أول حالة انتحار على الهواء مباشرة موثقة بالكامل في تاريخ التلفزيون.
💔 من هي كريستين تشوبوك؟ صراع الحلم التجاري والمهني
وُلدت كريستين في 24 أغسطس 1944 في هدسون بولاية أوهايو. كانت شغوفة بالإعلام، خاصة كوسيلة لنقل الرسائل الهادفة والمجتمعية، ودرست الإعلام والفنون في جامعة بوسطن. كان حلمها المهني هو أن تكون مذيعة تحقق رسالة إيجابية للمشاهدين، لكن الواقع في قناة 40 كان مختلفاً تماماً.
كانت القناة تشجع، بل وتفرض، على فريق العمل بث أخبار الجرائم والحوادث العنيفة التي يطلق عليها بالعامية الأمريكية ("Blood and Guts")، وذلك لزيادة نسبة **المشاهدات** والتصدي للمنافسة. هذا التناقض بين رسالتها الإنسانية وشروط العمل التجارية أدخلها في صراع نفسي عميق، حيث كانت تجد صعوبة بالغة في اعتياد رؤية "الدماء والأحشاء" بشكل يومي، مما دفعها للبدء في تلقي العلاج لدى طبيب نفسي قبل الحادثة بأشهر.
😔 الأسباب والدوافع: ثلاثون عامًا من العزلة والخيبة
لم يكن انتحار كريستين قرارًا لحظيًا، بل كان نتيجة لتراكم ضغوط نفسية وشخصية كبرى. وقد أشارت التحقيقات والمقربين منها إلى ثلاثة عوامل رئيسية أسهمت في هذا القرار المأساوي:
- الوحدة والعزلة الاجتماعية: بلغت كريستين عامها الثلاثين دون أن ترتبط بأي علاقة عاطفية أو زواج، وكانت تشعر بالوحدة الشديدة، وقد أخبرت بعض زملائها بأنها تشعر بأنها "مرفوضة" وغير مرغوب فيها.
- خيبة الأمل العاطفية: وقعت كريستين في حب رجل يعمل معها في القناة، وهو المخرج جورج بيتر، لكنها اكتشفت أنه كان على علاقة بزميلة أخرى، وهو ما مثّل صفعة قوية لإحساسها بتقدير الذات.
- الهاجس الطبي وتأثيره: قبل الحادث بفترة وجيزة، اضطرت لإجراء عملية جراحية لإزالة مبيضها الأيمن. وأخبرها طبيبها أنها لن تستطيع الإنجاب ما لم تتزوج وتحمل خلال عامين، مما وضع ضغطًا نفسيًا هائلاً عليها لتحقيق الاستقرار العائلي في وقت كانت تعاني فيه من الوحدة.
📝 رسالة الوداع الغريبة: النعي الذي كتبته لنفسها
أحد أغرب تفاصيل القصة وأكثرها دلالة على التخطيط المسبق هو أن كريستين لم تترك رسالة وداع شخصية تقليدية، بل تركت تغطية صحفية لحادث انتحارها. فقد تركت ورقة على مكتب المذيع البديل، ستيف نيوتن، الذي اكتشفها بعد الحادثة المروعة. كانت الورقة مكتوبة بأسلوب خبري رسمي:
"المذيعة كريستين تشوبوك أطلقت النار على نفسها صباح اليوم في بث حي على قناة 40 وتم نقلها إلى المستشفى في حالة خطرة."
هذا النعي الذاتي يظهر مدى انغماس كريستين في دورها المهني، حتى في آخر لحظة من حياتها، وكأنها أرادت أن تنهي حياتها بطريقة "خبرية" تتسق مع نوع الأخبار الدموية التي أُجبرت على تقديمها.
🔒 سر شريط الفيديو المفقود: كنز الرعب المحظور
شاهد سكان الولايات المتحدة مشهد انتحار كريستين تشوبوك مرة واحدة فقط. بعد ذلك، تحول شريط فيديو كريستين تشوبوك إلى أسطورة. رفضت القناة بث الفيديو مرة ثانية، معتبرة إياه ملكية خاصة ورفضت بيعه أو تداوله على الإطلاق.
الجدل حول مصير الشريط استمر لعقود. وظهرت العديد من الشائعات حول محتواه ومحاولات تسريبه. وفي تصريح نادر، أكدت زوجة مالك القناة الراحل، ساراسوتا بوليفارد، أنها احتفظت بالشريط لدى محامٍ، وأنه لن يظهر إلى النور أبداً، حرصاً على خصوصية كريستين وأسرتها، وتجنباً لاستغلال هذه المأساة. وبالتالي، يظل فيديو انتحار المذيعة كريستين أحد أكثر التسجيلات المفقودة والمطلوبة في تاريخ الإعلام، شاهداً على نهاية مأساوية بسبب ضغوط العمل والحياة الشخصية.
هل تعتقد أن القناة كان يجب أن تحتفظ بالشريط كسجل تاريخي، أم كان قرار إخفائه هو التصرف الأخلاقي السليم؟ شاركنا رأيك في التعليقات!
 



تعليقات
إرسال تعليق